الخميس 2025/7/31
" الصحافة الورقية والانتخابات البرلمانية " بقلم زيد الحلي / صحيفة الوطن .


"الصحافة الورقية والانتخابات البرلمانية" 

 

بقلم: زيد الحلي

 

لطالما كانت الصحافة العراقية، عبر تاريخها العريق، عنوانًا صادقًا لتسجيل الحقيقة، وشاهدًا حيًا على الأحداث، ومرآةً توثيقية أمينة لعصور متعاقبة. ويكفي أن يقوم المرء بزيارة إلى "دار الكتب والوثائق" ليتأمل في الركن الصحفي هناك، حيث تحتضن الرفوف أرشيفًا ضخمًا من المطبوعات، يسجّل بدقة صورة العراق السياسية والاجتماعية في مختلف الحقب والمنعطفات.

من هذا المنطلق، أؤكد أن التوثيق الصحفي يشكّل ركيزة أساسية يعتمد عليها الباحثون في سعيهم وراء الحقيقة. إنه ذاكرة الأمة الحية، التي لا يطالها النسيان، والحلقة التي تصل حاضر الشعوب بماضيها، والشاهد الأهم على التحولات التاريخية.

وفي هذا السياق، تكتسب دعوة رئيس هيأة الإعلام والاتصالات، الدكتور نوفل أبورغيف، بُعدًا وطنيًا وثقافيًا مهمًا، حين يذكّرنا بأن الصحافة الورقية ما زالت تمتلك مكانة لا يُستهان بها، خاصة في لحظات التحول السياسي والمجتمعي، مثل الانتخابات البرلمانية المرتقبة في تشرين الثاني المقبل.

إن التأكيد على أهمية الصحف الورقية في دعم المسار الديمقراطي وتعزيز المشاركة المجتمعية، هو دعوة ذكية وواعية تعيد الاعتبار إلى دور الصحافة العميق في تشكيل الرأي العام، وترسيخ الثقة بالعملية الانتخابية. فالصحيفة ليست مجرد أوراق تُطوى بعد قراءتها، بل هي وثيقة حية، تسجل اللحظة، وتؤرخ للحدث في سياقه الزمني والوطني.

ما طرحته الهيأة، لو تم تبنيه وتفعيله على نحو جاد، كفيل بإعادة الاعتبار للصحافة الورقية، التي باتت اليوم ضحية التهميش من قبل بعض من لا يُقدّرون قيمتها التوثيقية، ولا يعون أهميتها في الحياة العامة. فالصحافة الورقية لا تلهث خلف "الترند"، ولا تركض وراء الإثارة السريعة، بل تُكتب كلماتها على مهل، وتُحرر بدقة، ما يمنحها ثباتًا وعمقًا توثيقيًا يفوق كثيرًا مما تنشره المنصات الرقمية، ولا أبالغ إن قلت إن الصحافة الورقية، بما تملكه من أرشيف موثق ومكتوب، تشكل الذاكرة الجماعية للشعوب. فقد ثبت تاريخيًا أن العودة إلى الحقائق الكبرى والمسارات الديمقراطية التي خاضتها الدول، تمرّ غالبًا عبر أرشيف الصحف، لا عبر منشورات عابرة على مواقع التواصل الاجتماعي.

ومع اقتراب الانتخابات، فإن الدولة بحاجة ماسة إلى إعلام جاد يتولى مهام التثقيف الانتخابي، ويرفع مستوى وعي الناخبين، ويشجعهم على المشاركة الواعية. وهذا الدور لا يمكن أن يُؤدى بكفاءة إلا عبر الصحف الورقية التي آن الأوان لأن تستعيد مكانتها، ودورها المحوري في البناء الديمقراطي.

إن تأكيد رئيس هيأة الإعلام والاتصالات الدكتور نوفل أبورغيف على أهمية الصحافة الورقية، هو دعوة صادقة من مؤسسة إعلامية رصينة، تستحق أن يُصغى إليها، ويُبنى عليها الكثير.


المشاهدات 1058
تاريخ الإضافة 2025/07/25 - 8:28 PM
آخر تحديث 2025/07/31 - 7:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 638 الشهر 42253 الكلي 1461781
تصميم وتطوير