ابورغيف والهدف الأول في مرمى الاقتصاد الرقمي العالمي لصالح العراق
بقلم / ايهاب عنان
مدير التحرير
في لحظة فارقة من الزمن الرقمي، لم يكن ما أعلنه الدكتور نوفل أبورغيف، رئيس هيأة الإعلام والاتصالات في العراق، مجرد “خبر تقني”، بل يمكن اعتباره إعلاناً سيادياً من نوع جديد: إعلان انخراط العراق رسمياً، وبصوت مرتفع، في منظومة الاقتصاد الرقمي العالمي.
تمكين المطورين العراقيين من إنشاء حسابات “Google Play Developer” باسم العراق، ونشر تطبيقاتهم بوسائل دفع رسمية ودون الحاجة إلى التمويه أو الالتفاف عبر بلدان أخرى، ليس مجرد تسهيل إداري أو تعديل بروتوكولي. هذه الخطوة، في جوهرها، تُنهي عزلة رقمية امتدت لسنوات، وتعيد تعريف علاقة العراق مع العالم الرقمي على أساس الثقة والمشروعية والاعتراف.
لكن لماذا تُعد هذه الخطوة ذات أثر عميق؟
أولاً، يجب أن نفهم أن العراق، رغم امتلاكه طاقات شبابية تقنية لافتة، ظل لسنوات مكبلاً بقيود دولية ومحلية جعلت المبرمج العراقي يتوارى خلف هويات رقمية مستعارة. كان يسجل من خلال بطاقات أجنبية، يدرج عناوين لا تعكس انتماءه الحقيقي، ويخشى كل لحظة أن يُعلق حسابه أو تُصادر أرباحه. تلك لم تكن مجرد معاناة تقنية، بل كانت عَرضاً من أعراض غياب السيادة الرقمية.
ما فعله أبورغيف وفريقه، من خلال سلسلة مفاوضات مع الشركاء الدوليين، هو أنه أزال هذه الحواجز بطريقة مؤسسية مسؤولة. لم يطرح حلولاً رمادية أو مؤقتة، بل أوجد مساراً رسمياً وشرعياً يُعيد للمبرمج العراقي اسمه وهويته في فضاء الاقتصاد الرقمي. إنها استعادة للاعتبار الرقمي بامتياز.
ثانياً، هذه الخطوة ليست منعزلة عن السياق الأكبر الذي يتبناه العراق في سعيه إلى التحول الرقمي. بل تمثل الحلقة الأولى في سلسلة قادمة من الإصلاحات التقنية والبنية التحتية التنظيمية التي، إن استمرت بهذا النفس، قد تنقل العراق من مستهلك سلبي للتكنولوجيا إلى منتج مشارك وفاعل فيها.
ثالثاً، ولعل الأهم، أن هذه المبادرة تمثل لحظة تصالح بين الدولة وطاقاتها الرقمية. فلأول مرة، يشعر آلاف المبرمجين والمطورين بأن هناك مؤسسة رسمية لا تعترف بهم فحسب، بل تدافع عن حقوقهم، وتفتح أمامهم الطريق للمنافسة بشروط عادلة. إنها بداية لتحول ثقافي في العلاقة بين الحكومة والمجتمع التقني، قوامه الثقة والدعم والتمكين.
إننا أمام إنجاز قد يبدو تقنياً في ظاهره، لكنه سياسي في مضمونه، وثقافي في أثره، واستراتيجي في نتائجه. الخطوة التي أطلقها أبورغيف قد لا تصنع تطبيقات خارقة بين ليلة وضحاها، لكنها بالتأكيد فتحت النافذة الأولى للعراق كي يطل منها، للمرة الأولى بثقة، على مشهد الاقتصاد الرقمي العالمي.
فهل نُحسن اقتناص اللحظة؟